أعلام عربية براقة في عالم ذوي الإعاقة

 

أعلام عربية براقة في عالم ذوي الإعاقة

بقلم

الدكتور محمد دسوقي الورداني الدسوقي

"خبير طرق تعليم وتدريب ذوي الإعاقة البصرية"

*****

إن إصابة أي شخص بأي نوع من أنواع الإعاقة؛ لا يتعارض ـ إطلاقًا ـ مع الإبداع، والتميز؛ فكثيرًا من الأشخاص من ذوي الإعاقة؛ جعلوا إعاقتهم نافذة نحو المستقبل، وأثبتوا للعالم؛ أنّ الإعاقة ليست في الجسد على الإطلاق، خاصةً بعد أن تسلحوا بالإرادة، والعزيمة القوية؛ ليصبحوا من الأوائل في مجالات مختلفة، ويؤكدوا أنّ الإعاقة لم تكن حجر عثرة في طريقهم، بل طريقا لإثبات الذات، والتميز، والإبداع.

فقد أنجب العالم العربي - على مرّ العصور - عباقرة وعمالقة، من الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين تجاوزوا إعاقاتهم وآلامهم؛ فكان لهم شأن كبير في مجالاتهم؛ فقد أضاءت عقولهم نورًا، وامتدت أنظارهم الى محاور بعيدة؛ فكشفوا المستور. باختصار هم نور أضاء طريق الآخرين؛ لذلك أقول:

ليس المعاق الذي فقد عضوًا من الأعضاء،

ليس المعاق الذي فقد نسبةً من الذكاء؛

إنما المعاق الذي منع موهبته من الأداء،

إنما المعاق الذي منع قدرته من العطاء.

وسوف نسلط الضوء  في هذه السطور، على بعض الشخصيات العربية البراقة في عالم ذوي الإعاقة، ممن أصيبوا بنوع من أنواع الإعاقات المختلفة، ولكنهم وضعوا بصماتهم واضحة في مسيرة الفكر والحضاره، وتفوقوا على غيرهم من الأشخاص من غير ذوي الإعاقة، بمراحل كثيرة، وهذا دليل واضح على أنّ الإعاقة لا تشكل حاجزًا، أمام أصحاب الهمم العالية.

مقدمة...

قبل أن نتناول أهم أعلام العرب من ذوي الإعاقة، الذين كان لهم دور كبير في النهوض بالتراث العربي؛ لا بد أن نسلط الضوء على تعريف الإعاقة ومفهومها، وأنواعها، وأسبابها.

تعريف الإعاقة لغة...

إِعَاقَة: كلمة أصلها الاسم في صورة مفرد مؤنث، وجذرها: (عوق)، وجذعها: (إعاقة). ومصدرها: (أَعاق)؛ أعاقَ يُعيق، أَعِقْ، إعاقةً، فهو مُعيق، والمفعول: (مُعاق).

فالإِعاقَةُ: ضرر يصيب أحد الأشخاص؛ ينتج عنه اعتلال بأحد الأعضاء، أو عجز كلّيّ، أو جزئيّ.

تعريف الإعاقة إصطلاحا...

فقد تناولت الاتفاقية الدولية، لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، عام 2006، تعريف الإعاقة، فنصت المادة رقم (1) على أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة هم: "كل مَن يعاني من عاهات طويلة الأمد – بدنية، أو عقلية، أو ذهنية، أو حسية - قد تمنعهم من المشاركة، بصورة كاملة وفعالة في المجتمع، على قدم المساواة مع الآخرين".

أسبابها...

توجد أسباب عديدة لحدوث أي نوع من أنواع الإعاقة؛ قد يكون بعضها خلقي، أو نتيجة تعقيدات في الحمل، أو خلال الولادة. وهذه العوامل تمثّل أقل من نصف حالات الإعاقة. أما عوامل الإعاقة غير الخلقية، الأكثر شيوعًا في المنطقة هي الحوادث (١٦٪)، تليها الأمراض (١٥٪)، ثم الشيخوخة (١٢٪)؛ فالحوادث قد تحدث على الطرقات، أو في مكان العمل، أو في المنزل. أما الأمراض فهي تشمل: الالتهابات، والأمراض المزمنة  كأمراض: القلب، والأوعية الدموية: (النوبات القلبية، أو الجلطات)، والسرطان، والأمراض التنفسية: (الربو، وارتفاع ضغط الدم الرئوي)، إلخ…

أنواعها...

تتمثل أنواع الإعاقات في الإعاقة: (البصرية، السمعية، العقلية، الجسمية والحركية، صعوبات التعلم، اضطرابات النطق والكلام، الاضطرابات السلوكية والانفعالية، التوحد، الإعاقات المزدوجة والمتعددة، وغيرها من الإعاقات، التي تتطلب رعاية خاصة). وتختلف كل إعاقة في شدتها من شخص إلى آخر، وكذلك قابليتها للعلاج.

ومهما يكن من أمر؛ فلن تكون تلك الإعاقات باْسبابها المتنوعة؛ عائقًا حقيقيًا في وجوه أصحابها، وتحجيم مسيرتهم عبر الحياة، بل إنّ الكثير منهم انطلقوا بعقولهم، وعلومهم، وأفكارهم، وآدابهم، وثقافاتهم، انطلقوا يُبدعون في مجالات كثيرة فمنهم: العلماء، والشعراء، والاْدباء، والمفكرون، وغيرهم الكثير من المبدعين؛ لذلك سوف نتناول بعض من هؤلاء الأعلام في العالم العربي على وجه الخصوص.

إحصاء...

مليار شخص حول العالم هم من الأشخاص ذوي الإعاقة، بينهم أكثر من (100 مليون طفل)، يعيش 80% منهم في البلدان النامية. يوجد في الدول العربية نحو (40 مليون شخص) مصاب بشكل ما من أشكال الإعاقة، أكثر من نصفهم أطفال ومراهقون، وتصل نسبة الإصابة في بعض البلدان إلى معدلات قياسية، أعلى من المعدلات العالمية بكثير، وفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية عام 2019.

ومع استمرار النزاعات والحروب في المنطقة العربية؛ ترتفع أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة وتتضاعف مشاكلهم يومًا بعد يوم.

*****

أعلام عربية براقة في عالم ذوي الإعاقة

يوجد الكثير من أعلام العرب الذين تحدوا الإعاقة، وحولوها إلى قصص نجاح، ناتجة عن إرادة صلبة، وإصرار على تحقيق الأحلام، والوصول إلى الأهداف، وتحولوا إلى مؤثرين يُحتذى بهم، ويحكى عن نجاحهم، على مرّ السنين في أكثر من مجال. ومن هؤلاء ما يلي:

*****

عبد الله بن أم مكتوم (ت 14هـ)...

هو عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصم، واختلفت المصادر التاريخية في اسمه؛ فقيل: (عمر، وعمرو، والحصين)، وإنّ النبيّ ﷺ هو من سماه (عبد الله) بدلًاً من (الحصين)، وعُرف في كتب التاريخ، وبينَ الصحابةِ باسم أُمّه (أم مكتوم)، واسمها: (عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة) من بني مخزوم، وهو ابن خال أم المؤمنين (خديجة بنت خويلد) زوج النبيّ محمد ﷺ.

كان ابن أم مكتوم؛ أحد السابقين إلى الإسلام، وواحدًا من أوائل المهاجرين إلى يثرب، ولم تقف إعاقته البصرية حائلاً دون تعلُّمه، وحفظه القرآن الكريم، وأمور الدين، إذ عُرف عنه قوة الحفظ، وكرم الخُلق، والرأي السديد، وجمال الصوت، ما دفع بالنبيّ ﷺ لجعله مؤذنًا للصلاة، مع بلال بن رباح.

أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ في الصحابي الجليل، آيات سورة (عبس) في واقعة شهيرة، عندما جاء إلى الرسولِ ﷺ طالبًا منه تعلم القرآن، فأعرض النبي ﷺ عن ابن أم مكتوم بوجهه، وغضب منه لإلحاحه، وهو منشغل بدعوة سادات قريش إلى الإسلام، فنزلت الآيات العشر الأولى من سورة (عبس)؛ عتابًا لطيفًا للنبي ﷺ لإعراضه عن الأعمى، كما وصفته الآيات الكريمة، للتعريف بأنه فاقدًا لحاسة البصر.

وبعد معاتبة الله لسيدنا محمد ﷺ في سورة (عبس)؛ حرص النبي ﷺ على إكرام ابن أم مكتوم، وإظهار الحب له بالترحيب به، واستخلافه على المدينة المنورة، أثناء خروجه للغزوات والحروب، إذ استخلفه النبيّ ﷺ 13 مرة، إلى جانب استخلافه عليها في حجة الوداع.

طال بعبد الله العمر حتى شهد معركة القادسية، بقيادة سعد بن أبي وقاص، فشارك فيها، وكان له دور فاعل في حث المسلمين على الثبات، واستشهد فيها سنة 14 من الهجرة.

فقد فقد (عبد الله بن أم مكتوم) البصر، لكنه لم يفقد البصيرة؛ حيث يقول المولى ـ سبحانه وتعالى ـ في كتابه العزيز، موضحًا مفهوم العمى الحقيقي: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" (الحج: 46). أي: ليس العمى عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر، ولا تدري ما الخبر.

وفي ذات المعنى أقول:

ليس العمى فقد العيون للنور؛

إنما العمى فقد نور الصدور.

*****

الأحنف بن قيس (ت 67هـ)...

في السنة الثالثة قبل الهجرة، ولد (لقيس بن معاوية) مولود سمّاه: (الضّحاك)، ولكن لأنّّ في رجليه إعوجاج؛ سُمّي (بالأحنف) فغلب عليه، أبوه من وسط بني تميم نسبًا ومكانة، وُلد في مناطق اليمامة، غربي نجد، ونشأ يتيمًا؛ فقد قُتل أبوه، وهو ما زال طفلاً لم يمش بعد.

فكان صحابيًا جليلاً، أسلم وحسن إسلامه، ولم يخط شاربه بعد، ودعا له النبيّ ﷺ بقوله: "اللهم اغفر للأْحنف".

وهو الذي ضرب به الحلم: "أحلم من قيس"، كان في رجليه إعوجاج، وكان ملتصق الفخذين، فشق ما بينهما، وكان أعرجًا، قصير القامة؛ ومع هذا كله فقد جمع خصال الشرف، والسيادة، والمروءة، والحنكة، والحزم.

هو الذي قال له رسول الله ﷺ: "إنّ فيك خصلتان يحبّهما الله ورسوله: الحلم، والأناة".

وقد شهد له الفاروق (عمر بن الخطاب) أنّه سيّد أهل البصرة؛ ففي خلافته، وأثناء فتوحات العراق، كان (الأحنف) مع قومه بنو تميم، مشاركًا فيها، فأرسل (عمر) إلى (عتبة بن غزوان) رضي الله عنه، يطلب منه أن يرسل إليه 10 من خيرة المجاهدين يستشيرهم، فكان (الأحنف) أحد هؤلاء.

وقد شارك (الأحنف بن قيس) في فتح (تستر) درة بلاد فارس، وفيها وقع (الهرمزان) قائد الفرس العظيم أسيرًا بيد المسلمين.

وكانت (أم الحكم) أخت (معاوية) تستمع من خلف حجاب، فأزاحت الستار فرأت رجلًاً: (قصير القامة، ضئيل الجسم، أصلع الرأس، متراكب الأسنان، مائل الذقن، نخسف العينين، رجلاه معوجّتين، ليس في إنسان عيب إلّا وله منه نصيب)، فتعجّبت وسألت (معاوية) عنه، فقال: "هذا الذي غضب؛ غضب له 100 ألف من بني تميم، لا يدرون فيما غضب، هذا (الأحنف بن قيس) سيّد بني تميم، واحد من أفذاذ العرب، ساد قومه بالحلم".

فقد كان (الأحنف) نادرة من نوادر الدهر في: (حدّة الخاطر، وتوقّد الذكاء، وصدق الفطرة، وصفاء النفس)، ومن الأسباب التي أعانته على ذلك؛ أنّه كان يجالس الكبار منذ نعومة أظفاره.

وتوفي (الأحنف) في الكوفة سنة 67هــ.

*****

موسى بن نصير (19ـ 96هـ)...

هو (أبوعبد الرحمن موسى بن نصير)، ولد أعرجًا في بلدة كفر مثرى سنة 19 هـ، في خلافة أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه· من قبيلة (بكر بن وائل)، كان من كبار الفاتحين المسلمين، قاوم الروم، وفتح الأندلس، وأفريقيا، كما فتح مدنًا كثيرة، في أوروبا، وكان هذا القائد أعرجًا، ورغم ذلك؛ فقد بلغ النهاية في القوة، والشجاعة، وعلو الهمة، فكان نموذجًا عبقريًا فذًا، لعب دورًا خطيرًا في نشر الإسلام في الشمال الأفريقي، كما أنّه خطط لفتح الأندلس، وشارك في فتحها مشاركة إيجابية، بالرغم من هذا العرج، الذي ولد، وعاش به طوال حياته؛ لذلك نجد حياة (موسى) كلها جد، واجتهاد، وجهاد، وتحصيل، وهجر مقعد العجز منذ الصغر، وترك لعب الصبيان، واتجه إلى حياة الجد، والنضال، والقتال، وساعد في التحاقه في الأسطول البحري، الذي غزا قبرص في البحر المتوسط.

وعندما تولى الخلافة (الوليد بن عبد الملك) فاختار (موسى بن نصير) واليًا على أفريقيا سنة 89 هـ، واستطاع (موسى بن نصير) بذكائه الحاد، وقدرته الإدارية؛ تأمين مكاسب المسلمين، ثمّ وَلى (موسى) أحد قادته من البربر، وهو (طارق بن زياد) مدينة (طنجة)؛ مما أكسبه حب البربر، وولاءهم، فاعتنقوا الإسلام، وكانوا من المدافعين عنه فيما بعد، وتتبدى عبقرية (موسى بن نصير) عندما أقام قاعدة لصناعة السفن؛ تحسبًا لأي عدوان بحري من جانب الروم. وبهذا أصبح للمسلمين اسطولاً كبيرًا في المغرب العربي، يدعم الأسطول العربي في المشرق·

ثمّ توفي (ابن نصير) سنة 96 هـ. ويقول عنه الجاحظ: "ومن العرجان، ثم من أصحاب الفتوح والزحوف، موسى بن نصير".

*****

أبان بن عثمان بن عفان (105هـ)...

يُعد (أبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي)، من كبار تابعي أهل المدينة المنورة. أبوه هو الخليفة الثالث للمسلمين (عثمان بن عفان)، وأمه (أم عمرو بنت جندب الدوسية)، وقد اختُلف في كُنيته فقيل: أبو سعيد، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو سعد.

تفقّه (أبان بن عثمان) في المدينة، ونال حظًا كبيرًا من دراسة الحديث والفقه، حتى قال عمرو بن شعيب: "ما رأيت أحدًا أعلم بحديث ولا فقه من أبان بن عثمان، عدّه يحيى بن سعيد القطان من العشرة الذين انتهى إليهم علم الفقه في المدينة".

كما ذكر (عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم): "أن أباه أبا بكر كان يتعلم من (أبان) القضاء".

وكان (أبان بن عثمان) أول من حدّث في السيرة النبوية، ولكن ليس في صورة سردية، وإنما في صورة أحاديث تتناول سيرة النبي محمد ﷺ، جمعها، وكان يقرأها على طلبته.

شارك (أبان بن عثمان) في موقعة (الجمل) مع (عائشة بنت أبي بكر، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله)، وقد تولّى (أبان) إمارة المدينة المنورة سنة 75هـ، بعد يحيى بن الحكم بن أبي العاص في خلافة عبد الملك بن مروان، وظل واليها لسبع سنين حتى عزله عبد الملك سنة 82هـ، وولّى مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي.

وقد توفي (أبان) في سنة 105هـ بالمدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك،

وكان (أبان) به ضعف في السمع، وعرج شديد، كما أصابه الفالج في أخريات عمره قبل أن يموت بسنة، وكان فالجه شديدًا؛ حتى ضُرب به المثل في المدينة في الشدة، فكان يقال: "كفالج أبان".

*****

بشار بن برد (96- 168هـ / 714- 784م).

هو (بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي)، وُلد عام: 96هـ. شاعر وإمام الشعراء المولدين، ومن المخضرمين، حيث عاصر نهاية الدولة الأموية، وبداية الدولة العباسية، كما أنّه وُلد أعمى، حيث قال يمدح نفسه:

عُميت جنيناً والذكاءُ من العمى

فجئت عجيب الظن للعلم موئلا

وكان من أقوى الشعراء وسابقيهم المجودين؛ فقد كان غزير الشعر، سمح القريحة، كثير الافتنان، قليل التكلف. ولم يكن في الشعراء المولدين أطبع منه، ولا أصوب بديعًا، وقال عنه الجاحظ: "وليس في الأرض مولد قروي، يُعد شعره في المحدث إلّا وبشار أشعر منه".

فكان (بشار) رئيس شعراء العصر العباسي الأول، بلا جدال، وأكثرهم تأثيرًا في الانقلاب الشعري الذي امتاز به ذلك العصر، ومن أكثرهم تقربًا من الخلفاء؛ لتقدمه في الشاعرية، وهي صفة اتصف بها النابهون من العميان، وكان حاد الذكاء، اتجه إلى المساجد ينهل من حلقات العلم، وأخذ يغدو على المربد، ويستمع لجرير والفرزدق، قال الشعر في سن صغيرة، وبالرغم من ذلك كان قبيح المنظر، سمج الهيئة، وكان خلقه قبيحًا.

تعددت موضوعات شعر (بشار)؛ فنظم في: المديح، والرثاء، والفخر، والهجاء، والغزل، والحكمة، وكان لكل غرض شعري عنده ميزات تميزه عن غيره من الشعراء، كما اتخذ (بشار) المدح أداة للتكسّب، ولجأ أحيانًا إلى المبالغة في المديح، حافظ في مديحه على بنية القصيدة ونهجها؛ فسار على ما ألفه الأقدمون، وكان يتجه نحو الغريب من الألفاظ؛ ليُرضيَ ذوق ممدوحيه، إلّا أنّه لم يبتعد عن عصره في مديحه؛ فقد كان يصف الصحراء والأطلال بصورة حضرية جديدة فيها رقة ودقة في المعاني، فاستطاع أن يُضيف إلى العناصر البدوية القديمة عناصر مستحدثة. كان غزير الإنتاج، وقيل إنّ له حوالي اثني عشر ألف قصيدة، كما برع في التصوير الفني، رغم فقدان بصره، فكان يأتي بما عجز عنه المبصرون. مما اشتهر له قوله في الأذن التي أغنته عن العين:

يا قومي أذني لبعض الحي عاشقة

والأذن تعشق قبل العين أحياناً

وانتهت حياة (بشار) بطريقة مأسوية؛ حيث اتهم في آخر حياته بالزندقة، فضرب بالسياط حتى مات.

*****

أبو العلاء المعري (363- 449هـ / 973- 1057م)...

هو: (أحمد بن عبد الله بن سليمان)، يُنسب إلى بلدة معرة النعمان، الواقعة في سوريا، وهي تابعة لمدينة حمص. أديب، وفيلسوف، وشاعر عربي، ينتمي إلى العصر العباسي الثاني ومُستهل الثالث. من كبار أعلام الحضارة الإسلاميَّة عُمومًا، وأحد أعظم شُعراء العرب والعربيَّة خُصُوصًا؛ فكان غزير الأدب والشعر، وافر العلم، غايةً في الفهم، عالمًا بِاللُّغة، حاذقًا بِالنحو.

وزعم كثيرٌ ممن كتب في (أبي العلاء) أنَّهُ بعد أن أتمَّ ما أخذه عن عُلماء بلده؛ رحل إلى حلب، وأنطاكية، واللاذقيَّة، وطرابُلس، من البُلدان الشَّاميَّة، وإلى بغداد؛ لِأجل طلب العلم، بل قيل أيضًا أنَّهُ ذهب إلى صنعاء بِاليمن.

أُصيب (أبو العلاء المعري) وهو في الثالثة من عمره بمرض الجدري؛ مما أفقده بصره؛ فأصبح أعمى، ولُقب برهين المحبسين، أي محبس العمى، ومحبس البيت؛ وذلك لأنّه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته. ومن الراجح أنّ يكون تعلَّم حروف الهجاء بِالقافة؛ أي الحُرُوف النافرة التي يُعلَّم بها المكفوفون اليوم، لأنَّها كانت معروفةً في ذلك العهد، على ما يُشعر به كلام (أبي العلاء) حيثُ يقول:

كَأَنَّ مُنَجِّمَ الأَقوامِ أَعمى

لَدَيهِ الصُحُفُ يَقرَؤُها بِلَمسِ.

ويُؤيِّد هذا؛ تصويره أشكال بعض الحُرُوف كقوله:

ولاحَ هِلالُ مِثلُ نُونٍ أجادَها

بجاري النَّضَارِ الكاتبُ ابنُ هِلال.

قال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. وكان يلعب بالشطرنج، والنرد. وإذا أراد التأليف أَملى على كاتبه (علي بن عبد الله بن أبي هاشم). وكان يحرم إيلام الحيوان، ولم يأكل اللحم خمسًا وأربعين سنة. وكان يلبس خشن الثياب. ولقد تعددت الآراء حول آراء (المعري) في الدين، وهناك خلاف في هذه المسألة.

وقد تُرجم كثير من شعره إلى غير العربية، أمّا كتبه فكثيرة، ومن منجزاته الرسائل، ويشار إلى أنّها تُقسم إلى ثلاثة أقسام، هي: القسم الأول، وهي الرسائل الطويلة التي تشبه الكتب، مثل: (رسالة الغفران، ورسالة الملائكة، ورسالة الفرض، والرسالة السنديّة). والقسم الثاني، وهي الرسائل التي تقل طولاً عن الرسائل السابقة، مثل: (رسالة الإغريض). والقسم الثالث، وهي الرسائل القصيرة، مثل الرسائل المُستخدمة في المراسلات، وكتب فيها رسائل إلى العلماء، والأهل، والأدباء، والأصدقاء، والقُضاة، ويُقال إنّها شملت 40 جزءاً. كما اهتم (أبو العلاء) بنثره في الحديث عن مجموعة موضوعات، كالنقد، والشفاعة، والمودة، والرثاء، والتهنئة، والوصف، والتواضع، والتعزية، والمديح، والشوق..وغيرها.

وقيل إنّه لمّا مات وقف على قبره أكثر من سبعين شاعرًا يرثونه.

ومما لا شك فيه أن (المعري) أثرى الأدب العربي بأشعاره وكتاباته. ويدل شعره ونثره على أنّه كان عالمًا بالأديان، والمذاهب، وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار.

*****

زين الدين الآمدي (ت 712هـ / 1312م).

الشيخ الإمام (زين الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف بن خضر الآمديّ العابر)، يُنسب إلى (آمد) مدينة (ديار بكر)، أهم حواضر محافظة (ديار بكر) في الشمال الشرقي من بلاد الشام.

لم يُعرف عام ميلاده، والمعروف أنّه وُلد وعاش في بغداد، وأخذ العلم في مجالس شيوخها، وتمهر في الفقه الحنبلي، وغدا من أكبر فقهائه، وبرع في علوم العربية، وأتقن أيضًا اللغات: (الفارسية، والتركية، والرومية، والمغولية)، وكذلك درس بعض الحيل الميكانيكية.

وكان وراقًا اشتغل بتجارة الكتب، مع فقدانه البصر، مذ كان صغيرًا؛ ورغم ذلك فكان لا ينخدع بأسعار الكتب؛ فكان يضع ورقة بعد فتلها حرفًا، أو أكثر من حروف الهجاء بعدد ثمن الكتاب بحساب الجمل، ثم يلصقها على طرف جلد الكتاب، ويجعل فوقها ورقة يثبتها بمادة لاصقة، فإذا أراد معرفة ثمن الكتاب؛ مس الحروف الورقية بيده.

تلك الطريقة التي استخدمها (زين الدين الآمدي) لكي يسهل على نفسه معرفة أثمان الكتب؛ توضح انشغاله كعالم لغة ومهندس بفكرة القراءة للعميان؛ فكان (الآمدي) كما ذكرت كتب تاريخ العلوم هو المبتكر الأول للحروف النافرة، أو البارزة التي يقرأ بها العميان، وهي المعروفة الآن بطريقة بريل في الكتابة، وكان ذلك قبل اختراع الرجل الفرنسي برايل لها بنحو ستمائة عام تقريبًا.

و(للآمدي) تصانيف كثيرة في اللغة، والفقه، وخلافه. وكان أستاذًا في المدرسة المستنصرية ببغداد، وله فيها غرفة خاصة به، ترجم له (الصفدي) في كتاب (نكت الهميان في نكت العميان)، ووصفه بقوله: “كان شيخًا مليحًا، مهيبًا، ثقة، صدوقًا، كبير القدر والسن، أضر في أوائل عمره، وكان آية عظيمة في تعبير الرؤيا، مع مزايا أخرى عجيبة، تدل كلها على عبقريته، وشدة فطنته، وذكائه”.

فكف بصر (الآمدي) لم يكن يقف حاجزًا أمام نجاحه في مختلف نواحي حياته العملية؛ فكان يرى ببصيرته القوية؛ لذلك ينطبق عليه قولي:

ليس الكفيف الذي فقد نور بصره؛

إنما الكفيف الذي فقد نور صدره.

*****

مصطفى صادق الرافعي (1880ـ 1937م)...

هو كاتب مصري من أصل سوري، لُقِب (بمعجزة الأدب العربي). وُلِد عام 1880م، دخل  المدرسة الابتدائية في دمنهور؛ حيث كان والده قاضيًا بها، وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق، ثم أصيب بمرض يقال إنّه (التيفود)، أقعده عدة شهور في سريره، وخرج من هذا المرض مصابًا في أذنيه، واستفحل به المرض حتى فقد سمعه نهائيًّا، في الثلاثين من عمره. لم يحصل (الرافعى) في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية.

كان من أصحاب الإرادة الحازمة؛ فإصابته بالصمم لم تجعله يعبأ بالعقبات، وإنّما اشتد عزمه، وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده، فكتب الشعر والنثر.

من أبرز مؤلفاته: ديوان النظرات، حديث القمر، المساكين، وغيرها. قال عنه الزعيم (مصطفى كامل): "سيأتي يوم إذا ذُكر فيه (الرافعيّ) قال الناس: هو الحكمة العالية، مصوغة في أجمل قالب من البيان".

ويُعد الرافعي من الأدباء الإسلاميين الذين خدموا الإسلام بأدبهم، وشعرهم.

تُوفي (الرافعي) سنة 1937م.

*****

طه حسين (1889-1973م)...

وُلد (طه حسين) في 14 نوفمبر سنة 1889م، في (عزبة الكيلو)، قرب مغاغة، بمحافظة (المنيا)، بصّعيد مصر، وكان سابع أخوته الثلاثة عشر، وأصابه رمد ذهب ببصره حتى صار مكفوفًا، منذ طفولته. حفظ القرآن في كُتّاب القرية، وهو في التّاسعة من عمره.

قدم للقاهرة سنة 1902 للتعلم  في الأزهر الشريف، وأنفق فيه ثماني سنين لم يظفر في نهايتها بشهادة (العالميّة)، فما إن أُنشئت الجامعة المصريّة (الأهلية) سنة 1908، حتّى انتسب إليها، ولكنّه ظلّ مقيّداً في سجلاّت الأزهر، وقضى سنتين (1908ـ 1910) يحيا حياة مشتركة، يختلف إلى دروس الأزهر صباحًا، وإلى دروس الجامعة مساءًا. وما لبث أن وجد في الجامعة روحًا جديدة للعلم والبحث؛ فتلقى دروسًا في الحضارة الإسلامية، والحضارة المصرية القديمة، وأيضًا دروسًا في الجغرافيا والتاريخ، واللغات السامية، والفلك، والأدب، والفلسفة، على أيدي أساتذة مصريين وأجانب. وخلال تلك الفترة نال درجة (العالميّة) (الدكتوراه) التي نُوقشت في 15 مايو 1914، برسالة موضوعها: (ذكرى أبي العلاء)، فكانت أوّل كتاب قُدّم إلى الجامعة، وأوّل كتاب امتُحِنَ بين يدي الجمهور، وأول كتاب نال صاحبه إجازة علميّة منها.

سافر إلى فرنسا؛ لمواصلة التّعلّم، فانتسب إلى جامعة (مونبيليه)، حيث قضّى سنة دراسيّة (1914ـ 1915) ذهب بعدها إلى باريس، وانتسب إلى جامعة (السّوربون)، حيث قضى أربع سنوات (1915ـ 1919). أُرسل ليدرس التّاريخ في (السّوربون)، فما لبث أن أيقن بأنّ الدرجات العلميّة لا تعني شيئًا، إن لم تقم على أساس متين من الثقافة. وليس إلى ذلك من سبيل سوى إعداد (الليسانس)، وأحرز درجة (الليسانس في التّاريخ) سنة 1917، فكان أوّل طالب مصري يظفر بهذه الشهادة من كليّة الآداب بالجامعة الفرنسيّة. وفي ذات المدة نفسها كان يُعدّ رسالة (دكتوراه جامعية) باللّغة الفرنسيّة موضوعها: "دراسة تحليليّة نقديّة لفلسفة ابن خلدون الاجتماعيّة"، ولم يكد يفرغ من امتحان الدكتوراه، حتّى نشط لإعداد رسالة أخرى، فقد صحّ منه العزم على الظفر "بدبلوم الدّراسات العليا، وهو شهادة يتهيّأ بها أصحابها للانتساب إلى دروس "التبريز في الآداب".

وما هي إلاّ أن أشار عليه أُستاذه بموضوع، هو: "القضايا التي أقيمت في روما على حكّام الأقاليم الذين أهانوا جلال الشّعب الرّوماني، في عهد تباريوس"، فقبله ومارسه بالصّبر على مشقّة البحث، والمثابرة على الفهم، حتّى ناقشه، ونجح فيه نُجْاحًا حسنًا سنة 1919.

في عام 1919 عاد (طه حسين) إلى وطنه، فعيّنته الجامعة المصريّة مباشرة أستاذاً للتاريخ القديم (اليوناني والرّوماني)، فظلّ يُدرّسه طيلة ستّ سنوات كاملات (1919-1925)، وفي سنة 1925 أصبحت الجامعة المصريّة حكوميّة، فعيّن (طه حسين) أستاذًا لتاريخ الأدب العربي في كليّة الآداب، وتقلد - منذ ذلك الوقت حتّى سنة 1952- مناصب علميّة وإداريّة وسياسيّة، ففي عام 1942، أصبح مستشارًا لوزير المعارف، ثُمَّ مديرًا لجامعة الإسكندرية، حتى أُحيل للتقاعد في 16 أكتوبر 1944. واستمر كذلك حتى 13 يناير 1950 عندما عُين لأول مرة وزيرًا لمعارف، وكانت تلك آخر المهام الحكومية التي تولاها، حيث أنصرف بعد ذلك وحتى وفاته عام 1973، إلى الإنتاج الفكري، والنشاط في العديد من المجامع العلمية، التي كان عضوًا بها من داخل وخارج مصر.

أنتج (طه حسين) أعمالاً كثيرة، منها أعمال فكرية تدعو إلى النهضة والتنوير، وأعمال أدبية منها الروايات والقصص القصيرة والشعر. ومن أعماله: على هامش السيرة، الأيام، حديث الأربعاء، مستقبل الثقافة في مصر، الوعد الحق، في الشعر الجاهلي، المعذبون في الأرض، صوت أبى العلاء، من بعيد، دعاء الكروان، فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، الديمقراطية في الإسلام، طه حسين والمغرب العربي.

قام كذلك بدور إجتماعي وسياسي كبير في إنهاض المجتمع المصري، وتنوير العقل العربي، وارتبطت به دعوة مبكرة من أجل مجانية التعليم، وهي الدعوة التي قادها تحت شعار "العلم كالماء والهواء، حق لكل إنسان".

وظل (طه حسين) على جذريته بعد أن انصرف إلى الإنتاج الفكري، وظل يكتب حتى وفاته في 28 أكتوبر 1973 م بالقاهرة، عن عمر يناهز 84 عامًا.

استطاع (طه حسين) أن يشق طريقه نحو التفوق رغم ظروفه الصعبة، وذلك بعزيمته وإرادته القوية قهر الصعاب، ليثبت أنّ محنته كانت سببًا من أسباب عظمته. وتمرس على أن تكون بصيرته عوضًا عن بصره، فوهبه الرحمن قدرًا أكبر مما حمله القدر، وأعطاه الله ـ تعالى ـ ذلك الضوء الفكري لبصيرته، وأغناه بذاكرته، حتى تحقق فيه المثل الشائع: "العين تسمع والأذن ترى"، فشق رحلة حياته متحديًا الصعاب و العقبات، حتى استطاع أن يحفر لنفسه بذلك موضعًا بين كبار عظماء مصر، و أصبح علامة بارزة مميزة، وشاهدًا على عصر ثقافي وأدبي، هو أحد صناعه. ويُعد أحد الأركان الأساسية في تكوين وصياغة الحياة الفكرية للعقل العربي المعاصر، وملمحًا أساسيًا من ملامح الأدب العربي الحديث. بالإضافة إلى كونه رائدًا من رواد الرواية العربية، ففي عام 1929م، نشر كتابه: (الأيام)، وهو سيرة ذاتية، غيّرت من شكل الرواية العربية، وأسهم في الانتقال بمناهج البحث الأدبي والتاريخي نقلة كبيرة، فيما يتصل بتأكيد حرية العقل الجامعي في الاجتهاد. وهو يعتبر بحق (عميد الأدب العربي)؛ نظرًا لتأثيره الواضح على الثقافة المصرية والعربية.

*****

عبد العزيز بن باز (1912 – 1999م).

هو (عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز)، وُلد (بالمملكة العربية السعودية)، 12 ذو الحجة 1330هـ - 22 نوفمبر 1912م. وتوفي 27 محرم 1420هـ - 13 مايو 1999م).

أصلهم من (المدينة المنورة)، من أسرة علمية، ينتمي إليها مجموعة من العلماء والقضاة، وقد كان مبصرًا في أول حياته، وأصابه مرض في عينيه سنة 1346هـ، وعمره آنذاك ستة عشر عامًا، فضعف بصره في سنة 1346هـ، وعمره حينذاك عشرون سنة، ثم ذهب كله في عام 1350هـ.

بدأ (ابن باز) بتلقي العلم على علماء (الرياض، ومكة المكرمة)؛ فبدأ بدراسة وحفظ القرآن الكريم، فحفظه قبل أن يتم مرحلة البلوغ، ثم بدأ بعدها بطلب العلم الشرعي على يد علماء الرياض.

شغل (ابن باز) منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية منذ عام 1413هـ، الموافق 1992م، حتى وفاته. بالإضافة لرئاسة هيئة كبار العلماء السعودية، ورئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ورأس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئاسة المجمع الفقهي الإسلامي، وشغل مدير الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لخمس سنوات. حصل (ابن باز) على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام سنة 1402هـ، الموافق 1982م.

بلغت مؤلفات (ابن باز) أكثر من 41 كتابًا، شملت على العديد من علوم الشريعة من: فقه، وعقيدة، وفتوى، وفكر إسلامي، والعديد من الردود على المذاهب والفرق الدينية والفكرية، التي نشأت سابقًا وحديثًا، هذا عدا عشرات الرسائل الصغيرة.

يُعد (ابن باز) أحد كبار علماء السنة في عصره، وحظى بإكبار وإجلال كل مشايخ عصره في أرجاء العالم الإسلامي. أما علماء السلفية فيعتبرونه إمام عصرهم، فهذا (محمد ناصر الدين الألباني) يقول: "هو مجدد هذا القرن"، ويقول (عبد الرزاق عفيفي): "ابن باز طراز غير علماء هذا الزمان، ابن باز من بقايا العلماء الأولين القدامى في علمه وأخلاقه ونشاطه"، ويقول (محمد السبيل): "الشيخ ابن باز هو إمام أهل السنة في زمانه".

*****

سيد مكاوي (1928 – 1997م).

هو (سيد محمد سيد مكاوي)، وُلِد لأسرة شعبية بسيطة في حارة (قبودان) بحي (الناصرية) في (السيدة زينب) في (القاهرة) في 8 مايو 1928م.

كان (مكاوي) كفيفًا، وكان ذلك عاملاً أساسيًا في اتجاه أسرته إلى دفعه للطريق الديني بتحفيظه القرآن، فكان يقرأ القرآن ويؤذن للصلاة في مسجد: أبو طبل، والحنفي) بحي الناصرية. وما إن تماثل (مكاوي) لسن الشباب حتى اتجه لتراث الإنشاد الديني من خلال متابعته للمنشدين والقراء الكبار. كان يتمتع بذاكرة موسيقية قوية فما أن يستمع للدور أو الموشح لمرة واحدة فقط سرعان ما ينطبع في ذاكرته، وكان متعطّشًا دائمًا لسماع الموسيقى الشرقية.

وكان لحفظ سيد مكاوي لأغاني التراث الشرقي؛ دورًا كبيرًا في تكوين شخصيته الفنية واستمد منها مادة خصبة أفادته في مستقبله الموسيقي. كما كان لحفظه تراث الإنشاد الديني والتواشيح عاملاً مهماً في تفوقه الملحوظ في صياغة الألحان الدينية والقوالب الموسيقية القديمة.

كان سيد مكاوي في بدايته مهتمًا أكثر بالغناء ويسعى لأن يكون مطربًا وتقدم بالفعل للإذاعة المصرية في بداية الخمسينات وتم اعتماده كمطرب بالإذاعة وكان يقوم بغناء أغاني تراث الموسيقى الشرقية من أدوار وموشحات على الهواء مباشرة في مواعيد شهرية ثابتة.

ثم تم تكليفة بغناء ألحان خاصة وذلك بعد نجاحه في تقديم ألحان التراث ولعل من مفارقات القدر أن تكون أول أغانية الخاصة والمسجلة بالإذاعة ليست من ألحانة.

في منتصف الخمسينات بدأت الإذاعة المصرية في التعامل مع سيد مكاوي كملحناً إلى جانب كونه مطرباً وبدأت في إسناد الأغاني الدينية إليه. كما قدّم أغاني شعبية خفيفة، وقدم سيد مكاوي بعد ذلك العديد من الألحان للإذاعة من أغاني وطنية وشعبيه. انطلق الشيخ سيد مكاوي يصول ويجول بألحانة لكبار المطربين وكذلك للجيل الصاعد منهم آنذاك

كانت الدراما والتمثيليات الإذاعية تتمتع بإقبال جماهيري كبير وتحظى بنسبة استماع كبيرة. وقد أقنع سيد مكاوي المسئولين بالإذاعة بضرورة تطوير شكل المسلسلات الإذاعية بعمل مقدمات غنائية لهذة المسلسلات فكان له الفضل الأول في وضع هذه القاعدة وقدم من خلالها عشرات المقدّمات الغنائية لمسلسلات شهيرة، وقد راعى سيد مكاوي في تلحين هذه المقدمات أن يكون الغناء بشكل كوميدي ويتمتع بخفة ظل حيث كان هو شخصياً خفيف الظل ومن ظرفاء عصره

دأبت الإذاعة المصرية خلال شهر رمضان على تقديم حلقات المسحراتي وفي العام الذي أسندت الإذاعة لسيد مكاوي تلحين عدد من حلقات المسحراتي وأشترط أن يقوم هو بغنائها. وكم كانت دهشة المسئولين بالإذاعة كبيرة حين قرر الملحن سيد مكاوي الاستغناء نهائياً عن الفرقة الموسيقية وتقديم المسحراتي بالطبلة المميزة لتلك الشخصية وقدم سيد مكاوي ثلاث حلقات فقط مشاركة مع باقي الملحنين وفور إذاعة الحلقات الثلاث بأسلوب سيد مكاوي حتى حقّقت نجاحاً منقطع النظير مما حدا بالإذاعة في العام الذي يلية الي الاستغناء عن كل الملحنين المشاركين في ألحان المسحراتي وإسناد العمل كاملا لسيد مكاوي. وظل يقدم المسحراتي بنفس الأسلوب حتى وفاته وهو أسلوب على بساطته الشديدة يعتبر بصمة فنية هامة في الكلمات ومحطة من المحطات اللحنية المتفردة في التراث الموسيقي الشرقي.

كما كان لسيد مكاوي الفضل الأول في وضع أساس لحني خاص لتقديم المسحراتي كان له أيضاً الفضل في وضع أساس لتقديم الأغاني الجماعية بالإذاعة حيث كان أول من لحن أغاني المجاميع وكان معروفاً أن كل ملحن يسعى لتقديم لحنه لأحد الأصوات الشهيرة الموجودة تحقيقاً للشهرة والذيوع ولكن سيد مكاوي وجد أن نصوص تلك الأغاني لا تحتاج لأصوات فردية فضحى بالشهرة في مقتبل عمره في سبيل تقديم اللون الغنائي الذي يراه مناسباً فقدم للشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل أغنية جماعية هي (آمين آمين يا رب الناس) وكذلك أغنية (وزة بركات) وللشاعر القدير فؤاد قاعود أغنية (عمال ولادنا والجدود عمال) والأغنية الشهيرة (زرع الشراقي).

كان لسيد مكاوي اهتمام شديد بقضايا مصر وكذلك القضايا القومية للوطن العربي وشارك في الكثير من المناسبات القومية الهامة ففي أثناء عدوان 1956 على بور سعيد قدم سيد مكاوي أغنية جماعية كانت من عيون أغاني المعركة وهي أغنية (ح نحارب ح نحارب كل الناس ح تحارب).

اجتذب المسرح الغنائي هذا الملحن الموهوب. ففي عام 1969 كان بداية اشتراك سيد مكاوي بتقديم ألحانه للمسرح الغنائي والذي كان كثيراً ما يحلم به. فكان اشتراكه في أوبريت (القاهرة في ألف عام) والذي قدم على مسرح البالون من خلال الفرقة الغنائية الاستعراضية وكان اشتراكه بالألحان في هذا الأوبريت مع عباقرة وكبار ملحني هذا الوقت مثل محمود الشريف وأحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق ومحمد الموجي وكمال الطويل وقدم سيد مكاوي في هذا الاوبريت ستة ألحان

انطلق سيد مكاوي يصول ويجول في المسرح الغنائي فقدم على مدار السنين من الأعمال المسرحية الهامة.

كما قدم سيد مكاوي للإذاعة المصرية الكثير من ألحان الصور الغنائية والتي تعتبر لونا من ألوان المسرح الغنائي أيضا

وتوفى (سيد مكاوي) 21 أبريل 1997.

*****

عبد الله البردوني (1929 - 1999م).

ولد في قرية (بردون) شرق محافظة (ذمار) باليمن عام 1929م، وأصيب بالجدري، وهو في الخامسة من عمره؛ حتى أفقده الوباء بصره كليًا، لكن هذا لم يَحل دون نبوغه الشعري، الذي جعله من أبرز الشعراء والأدباء في العالم العربي منذ سبعينيات القرن الماضي، وحتى وفاته في أغسطس 1999م.

درس (البردونيّ) في مدارس (ذمار) لمدة عشر سنوات، ثم انتقل إلى (صنعاء)؛ حيث أكمل دراسته في دار العلوم، وتخرج فيها عام 1953م، ثم عُين أستاذًا للآداب العربية في المدرسة ذاتها، وعمل مسؤولاً عن البرامج في الإذاعة اليمنية. له عشرة دواوين شعرية، وست دراسات. من دواوينه: أرض بلقيس، في طريق الفجر، زمان بلا نوعية، وغيرها.

فكان (البردوني) شاعرًا، وناقدًا أدبيًا، ومؤرخًا، ومدرس يمني، تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم، والحديث في اليمن، ومواضيع سياسية متعلقة ببلده، أبرزها الصراع بين النظام الجمهوري والملكي، الذي أطيح به في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وغلب على قصائده الرومانسية القومية، والميل إلى السخرية، والرثاء، وكان أسلوب ونمطية شعره تميل إلى الحداثة، عكس الشعراء القبليين في اليمن.

وفي صباح يوم الاثنين 30 أغسطس 1999م، توقف قلب الشاعر عن الخفقان، بعد أن خَلد اسمه كواحد من أبرز عظماء، ومشاهير اللغة العربية في القرن العشرين.

*****

عبد الحميد كشك (1933 - 1996).

هو (عبد الحميد بن عبد العزيز كشك)، وُلِد في مركز (شبراخيت) بمحافظة (البحيرة)، يوم الجمعة، 10 مارس 1933م،

13 ذو القعدة 1351 هـ.

كان (عبد الحميد كشك) مبصرًا إلى أن بلغ سنه الثالثة عشرة ففقد إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيرًا ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس:

إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما

ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ

حفظ الشيخ (كشك) القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وفي الصف الثاني الثانوي حصل على تقدير 100%، وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية، وكان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف.

عُيِّن (عبد الحميد كشك) معيدًا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة عام 1957م، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها رغب عن مهنة التدريس في الجامعة؛ حيث كان راغبًا بالمنابر التي كان يرتقيها منذ الثانية عشرة من عمره، ولم ينسَ خطبته التي خطبها على منبر المسجد في قريته في هذه السن عندما تغيب خطيب المسجد، وكيف كان شجاعًا فوق مستوى عمره الصغير، وكيف طالب بالمساواة والتراحم بين الناس، بل وكيف طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه والتِفافَهم حوله.

بعد تخرجه من كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومَثَّل الأزهر في عيد العلم عام 1961م، ثم عمل إماماً وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً، وفي عام 1962م تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بشارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة، واستمر يخطب فيه حوالي عشرين عامًا.

ترك (عبد الحميد كشك) 108 كتابًا تناول فيها كافة مناهج العمل والتربية الإسلامية، ووُصِفَت كتاباته من قبل علماء معاصرين بكونها مبسطة لمفاهيم الإسلام، ومراعية لاحتياجات الناس، وكان له كتاب من عشرة مجلدات سماه: (في رحاب التفسير) ألَّفه بعد منعه من الخطابة، وقام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً، وهو تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم.

فكان الشيخ (كشك) عالمًا، وداعيًا إسلامي مصري كفيف، يُلَقَّب (بفارس المنابر)، ومحامي الحركة الإسلامية)، ويعد من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي.

كان للشيخ كشك دور كبير في الحياة السياسية المصرية في الماضي، وكان دائمًا في سجال دائم مع الحكومة المصرية، مما أدى إلى اعتقاله أكثر من مرة، وخروجه أكثر من مرة. بجانب تطاوله على الكثير من الفنانين والفنانات في أكثر من مناسبة وموقف وخطبة.

توفى يوم الجمعة، 6 ديسمبر 1996م، 25 رجب 1417هـ، وقد بلغ (63 سنة)، وقيل: "أنّه عاش زاهدًا، ومات ساجدًا.

*****

عمار الشريعي (1948ـ 2012م).

هو (عمار علي محمد إبراهيم علي الشريعي)، وُلد يوم 16 أبريل عام 1948م، في مركز (سمالوط) بمحافظة (المنيا). درس بمدرسة المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين، ثم حصل على ليسانس من قسم اللغة الإنجليزية، بكلية الآداب في جامعة عين شمس عام 1970م.

فعلى الرغم من كونه كفيفًا، إلّا أنّ تلك الإعاقة لم تمنعه من ممارسة هوايته التي أحبها منذ طفولته، حيث تلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار بمدرسته الثانوية، في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصًا للطلبة المكفوفين، الراغبين في دراسة الموسيقى.

تمكن (الشريعي) بمجهوده الذاتي من إتقان العزف على العديد من الآلات الموسيقية: منها البيانو، والأكورديون، والعود، والأورج، ودرس أيضًا التأليف الموسيقي عن طريق مدرسة (هادلي سكول) الأمريكية لتعليم المكفوفين بالمراسلة، والأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى.

بدأ (الشريعي) مشواره الفني عام 1970م، كعازف لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية، ثم تحول إلى الأورج،  حيث اعتبر نموذجًا جديدًا في تحدي الإعاقة، نظرًا لصعوبة وتعقيد هذه الآلة، واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار.

في وقت لاحق إتجه (الشريعي) إلى التلحين، وتأليف الموسيقى، وكانت أول ألحانه أغنية بعنوان (امسكوا الخشب)، للفنانة (مها صبري) عام 1975م، كما قام عام 1980م، بتكوين فرقة (الأصدقاء) التي حاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة، وخلق غناء جماعي يتصدى لمشاكل المجتمع.

بلغ رصيد الموسيقار المصري (عمار الشريعي) حوالي 150 لحنًا لمعظم مطربي ومطربات مصر، والعالم العربي، كما تميز في وضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية، والمسرحيات، والتي نال العديد منها على جوائز على الصعيدين العربي والعالمي.

وأيضًا قدم (الشريعي) عددًا من الأعمال الموسيقية للتليفزيون المصري.

اهتم (الشريعي) أيضًا بأغاني الأطفال، وقام بعمل أغاني احتفالات عيد الطفولة لمدة 12 عامًا متتالية، وتولى خلال الفترة (1991 – 2003)، وضع الموسيقى، والألحان لاحتفاليات أكتوبر التي تقيمها القوات المسلحة المصرية، بالتعاون مع وزارة الإعلام، وفي عام 1995م صدر قرار وزاري بتعينه أستاذًا غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية.

نال الموسيقار (عمار الشريعي) خلال مشواره الفني العديد من الجوائز والأوسمة، حيث حصل على جائزة مهرجان (فالنسيا) من أسبانيا عام 1986م، وجائزة مهرجان (فيفييه) من سويسرا عام 1989م، كما حصل على وسام التكريم من الطبقة الأولى من سلطان عمان عام 1992م، ووسام التكريم من الطبقة الأولى من ملك الأردن، بالإضافة إلى جائزة (الحصان الذهبي) لأحسن ملحن في إذاعة الشرق الأوسط لسبعة عشر عامًا متتالية، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2005م، وأيضًا العديد من جوائز جمعية نقاد السينما، والمركز الكاثوليكي للسينما، ومهرجان الإذاعة والتليفزيون عن الموسيقى التصويرية، خلال الفترة (1977 -1990).

خاض (الشريعي) تجربة التقديم التلفزيوني من خلال تقديم وإعداد برنامج إذاعي؛ لتحليل، وتذوق الموسيقى العربية بعنوان: (غواص في بحر النغم) عام 1988م، وبرنامج (سهرة شريعي) على قناة دريم الفضائية، كما ساهم مع مؤسسة “Dancing Dots” الأمريكية في إنتاج برنامج “Good Feel” الذي يقدم نوتة موسيقية بطريقة بريل للمكفوفين.

ومواهب (عمار) لم تقتصر على الموسيقى فحسب، بل إنّه كان سباحًا محترفًا.

رحل (عمار الشريعي) عن عالمنا في 7 ديسمبر 2012. فكان (الشريعي) كفيفًا إلّا انّ ذلك لم يمنعه من كونه أحد أعمدة الموسيقى في مصر، فقد استطاع بموهبته وقدراته الموسيقية العظيمة، أن يهزم العمى، ويضرب المثل في الكفاح من أجل غايته وهدفه.

*****

خاتمة...

كانت تلك نماذج ثرية في رَحْبِ فضائِنا العربي، تتألّق بمحنة البدنِ، أو الحواس، تومض بالصبرِ، وتنبض بالعطاء، أحالت الإعاقة إلى طاقة، والمحنتة إلى منحة، والبلية إلى عطية، وتحدّت حاجز العوقِ؛ بفاعلية وعزم وإصرار.

فلم تقف الإعاقة في وجه الإبداع، بل زادت من الإصرار لتعطي لأصحابها تميزا وتفوقا في كثير من النواحي بمبتكراتهم واختراعاتهم التي أضاءت العالم وحفرت أسماءهم في ذاكرة التاريخ

لذلك نقول:

"فانعم يا كل من فقدت، وعلى المولى اعتمدت،

ثم بالعزيمة عوضت، وتفوقت حتى نبغت".

ولم تكن هذه الشخصيات هي وحدها في العالم العربي التي تحدت الإعاقة، وأثبتت للعالم أنها قادرة على التفوق، ولم تكن عالة على أفراد المجتمع، بل هناك الكثير والكثير من الشخصيات التي ما زالت تتقدم في مختلف المجالات: (العلمية، والفنية، والرياضية،...إلخ).

لذلك أخاطب كل شخص من ذوي الإعاقة؛ رافضًا إعاقته، ويظن أنها وصمة عار عليه، ويجب إنكارها، والهروب منها، وإخفائها عن أعين أفراد المجتمع:

الإعاقة ليست لصاحبها عار؛

الإعاقة رضا مصحوب بافتخار؛

لأنها من قِبَل العزيز الجبار،

على عباده المصطفين الأخيار.

وأقول ردا على كل من يعتقد؛ أنّ جميع الأشخاص من ذوي الإعاقة؛ هم أشخاص لا قيمة لهم في المجتمع، وأنّهم غير قادرين على العمل، مؤكدًا أن منهم من يتقن عمله، ويتفوق فيه، وهدفه دائمًا تقدم وطنه:

أنا لست على المجتمع عالة،         أنا لست ـ أبدًا ـ زيادة عمالة؛

أنا واحد من الأيدي الشغالة،         أقوم بعملي بجد واتقان وبسالة

وأحمل لوطني رؤيا ورسالة،،       ونجاحي في عملي خير الدلالة.

أنا لست على المجتمع عالة،         أنا لست - أبدًا - زيادة عمالة.

*****

المراجع...

ـ البلاذري، الإمام أبي العباس، أحمد بن يحيى بن داود البغدادي البلاذري

(ت 279): فتوح البلدان، تحقيق عبد الله أنيس الطباع، وعمر أنيس الطباع، لا: ط،  بيروت، مؤسسة المعارف، 1407هـ، 1987م.

ـ ابن أبي حاتم، الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التيمي الحنظلي الرازي (ت 327هـ): الجرح والتعديل، ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988م.

ـ الخطيب البغدادي، الإمام  الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت

(ت 463هـ): تاريخ بغداد، إعداد مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، بيروت، دار الكتب

العلمية، 1417هـ، 1997م.

ـ ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين، أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن خلكان

( ت 681هـ): وفيات الاعيان وأنباء ابناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، لا: ط،  بيروت، دار صادر، 1397هـ، 1977م.

ـ الذهبي، الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي،

(ت 748هـ، 1374م): سير أعلام النبلاء، تحققيق شعيب الأرنؤوط، ط 11، بيروت، مؤسسة  الرسالة، 1417هـ، 1996م.

ـ الزركلي، خير الدين الزركلي: الأعلام، ط 13، بيروت، دار العلم للملايين، 1998م.

ـ الصفدي: صلاح الدين خليل بن أيبك (ت 764):

الوافي بالوفيات، باعتناء رمضان عبد التواب، ط 2، بيروت، دار صادر، 1962م.

نكت الهميان فى نكت العميان، وقف على طبعة الأستاذ: أحمد زكى بك، كاتب  أسرار مجلس النظار، عنى بطبعه ونشره: أسعد طرازوتي الحسيني، لا: ط، 1404هـ، 1984م.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملخص البحث المقدم لنيل درجة الدكتوراه

أقوال ذهبية عن ذوي الإعاقة من البشرية. بقلم الدكتور محمد دسوقي الورداني

موافقة مجلس الوزراء على تعديل لائحة قانون ذوي الهمم لوضع ضوابط جديدة لاستيراد سيارات الأشخاص ذوي الإعاقة.